يعتقد عدد كبير من عامة الناس وخاصتهم أن الأطفال المشردين هم الذين لا ينتمون لأسر معروفة، وانهم أساس كل شر وبلاء وبناء على ذلك تكونت اتجاهات سلبية نحوهم، ونجد أن المسميات التي أعطيت لهم تدل على هذا الاتجاه السالب {شماسه}* و{أطفال الشوارع} هذا على الأقل في السودان، وقد لقبوا بألفاظ تحمل مضامين مشابهة لبعض الألفاظ في الأقطار الأخرى. وعندما يريد فرد ما الإساءة لألفاظ أو سلوك آخر يقال له {أسلوب شوارع} أو {تصرفات شماسه}. وربما يجد الفرد المبررات لهؤلاء الإفراد فيما يتعلق بهذه الاتجاهات السالبة، وذلك لأن هؤلاء الأطفال تصدر عنهم – في الغالب الأعم – أنماط سلوكية شاذة لأنهم سيئون بالفطرة، ولكن لنقص الرعاية الو الدية التي لا ينكر أحد أهميتها في مثل هذه السن، ويمكن لأي أحد أن يأتي بنفس تصرفاتهم إن تعرض لنفس الظروف، عليه ينبغي النظر لهؤلاء الأطفال على أنهم يعيشوا ظروف اسنثنائية ضاغطة، يحتاجون فيها لرعاية المجتمع وحمايته، ليأمنوا شر تصرفاتهم السيئة مستقبلا، وليستفاد من قدراتهم في البناء والتعمير.
تعّود المجتمع رؤية الأطفال المشردين الذكور في الشارع، إلا أن رؤية البنات المشردات يجبن الشوارع من الأمور غير المألوفة، وذلك لأسباب كثيرة ربما أهمها أن المشردات يدركن بصورة أو بأخرى أنهن لسن كالذكور حتى يتحركن بحرية تامة، وذلك ربما لأن المجتمع الرسمي والشعبي لن يسمح بذلك باعتبار أن ظهور الفتيات بهذا الشكل يدلل على تهتك المجتمع وتفسحه، وهو أمر لا يرتضيه الدين ولا العرف، كما أن البنات ليست لديهن القدرة على سرعة الحركة والتخفي كما للذكور، ولكن لا يعني عدم رؤية البنت المشردة عدم وجود هذه الظاهرة.
تعتبر ظاهر تشرد الأطفال بصورة عامة، وتشرد البنات بصورة خاصة ظاهرة حضرية معاصرة، وهي لذلك أكثر انتشارا في المدن الكبرى عنها في المحتمعات الريفية التي تحكمها الأعراف والتقاليد الصارمة والقيم المتعلقة بكفالة اليتيم وإعانة المحتاج، ومساندة المكلوم.
لا يعتقد الباحث أن أسباب التشرد نفسية، فقد أثبتت نتائج الدراسة التي أجراها عبد الباقي دفع الله {1992} أنه لا توجد سمات شخصية معينة تدفع الطفل لاتخاذ قرار الهروب من المنزل وتفضيل حياة الشارع عليه، وأنما تتمثل أسباب تشرد الأطفال في العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبما أن أغلبية أسر الأطفال المشردين من النازحين للمدن فهم غير مؤهلين للعيش فيها. لذلك نجدهم يعيشون في أطرفها، وغالبا ما تمارس أسر هؤلاء الأطفال أعمالها بعيدا عن مكان إقامتها، ويتغيب الآباء لأكثر من ثلثي ساعات اليوم، وكذلك الأمهات، ويتطلب من الأطفال المساهمة في دعم دخل الأسرة، أو القيام برعاية إخوانهم الصغار وتنشئتهم في غياب الأم، فتتفتح للطفل العامل بعض الأبواب المغلقة، ويفر من جحيم الأسرة التي غالبا ما تعاقبه بالضرب لعدم إنجازه المهام الموكلة إليه على الوجه الصحيح إلي جحيم الشارع ليبدأ حياة اللاعودة إن لم يجد من يأخذ بيده ويرعاه.
مشكلة الدراسة :-
تتمثل مشكلة هذه الدراسة في الإجابة عن النقاط التالية :-
ما وضع المشردات في ولاية الخرطوم وذلك من حيث {العدد، التوزيع الجغرافي، أماكن الوجود والبعد العرقي}؟
1. كيف تقضي المشردة حياتها اليومية؟
2. ما أهم أسباب تشرد البنات بولاية الخرطوم؟
3. ما أبرز مشاكل المشردات {تعليمية، صحية، أمنية}؟
4. ما أبرز الحلول لمعالجة هذه المشكلة؟
أهداف الدراسة :-
تهدف الدراسة إلي :-
- التعرف على مظاهر مشكلة تشرد البنات بولاية الخرطوم ومقارنتها بغيرها من المدن والبلدان.
- توضيح أهم أسباب تشرد البنات بولاية الخرطوم وذلك للتبصر بها والعمل على التقليل من آثارها المستقبلية.
- التوصل لبعض المقترحات والحلول التي ربما تسهم في تحسين الوضع القائم لتشرد البنات، وربما تولد هذه الدراسة بعض الأفكار لمعالجة ما تطرحة من مشاكل.
أهمية الدراسة :-
تتمثل أهمية الدراسة في أنها :
1. تلقي الضوء على أهم الأسباب التي تعمل على تفريخ البنات المشردات، وبالتالي الانتباه لها والعمل على معالجتها.
2. تزويد العاملين في هذا المجال بآلية عملية فاعلة ربما تساعد في معالجة بعض جوانب القصور في مجال تشرد البنات.
3. إثراء أدب الدراسات السابقة خاصة أن مثل هذا النوع من الدراسات لا زالت قليلة في الأدب الملي.
4. تعتبر هذه الدراسة من الدراسات النادرة التي قارنت بين ما يحدث في السودان وبعض الأقطار العربية والعالمية، وربما يساعد ذلك في إيجاد خصوصية لتناول هذه القضية في السودان.
منهج الدراسة :-
تقوم هذه الدراسة على استخدام المنهج التحليلي {Analytical Method} وذلك بتحليل البيانات ونتائج البحوث والدراسة المتصلة بموضوع التشرد واستخلاص المعلومات اللازمة للوصول إلي الإجابات المناسبة عن الأسئلة السابق عرضها. كما استخدم الباحث أيضا المنهج المسحي فقام بإجراء دراسة مسحية وسط {24} من البنات المشردات بولاية الخرطوم، وتظهر نتائج هذا الاستبيان من خلال الإجابة عن أسئلة الدراسة.
إجابة السؤال الأول :-
يتعلق هذا السؤال بدراسة وضع المشردات في ولاية الخرطوم وذلك من حيث {العدد – التوزيع الجغرافي – أماكن الوجود والبعد العرقي}.
للإجابة عن السؤال ينبغي استعراض الإحصاءات العالمية والإقليمية وذلك حتى يتمكن الناظر لهذا المر من إيجاد خلفية ربما تمكنه من الإجابة عن كثير من التساؤلات المرتبطة بها.
تقول بعض الإحصاءات المبالغ فيها أن ما يقدر ب (100.000.000) فردا يعيشون ويعملون في شوارع العالم ״ حيث يتسولون أو يبيعون الفاكهة والسجائر والحلي الرخيصة أو يمسحون الأخذية ويلجئون في أحيان كثيرة إلي السرقة أو البغاء حتى يعيشوا، ومن بين هؤلاء (30.000.000) طفلا. إلا أن الإحصاءات التي ذكرت في مؤتمر هامبورغ الذي عقد في يوليو 2002م تحت شعارﺀ״ » الأطفال« ضحايا الحرب والفقر تقول أن في العالم حوالي (13) مليون طفلا مشردا، أربعة ملايين طفل يعانون من الشلل الدائم بسبب جروح سببتها الحروب، وأربعة ملايين طفل آخر يعيشون لاجئين في المخيمات، والبقية في الأسواق. ويعتقد الباحث بصحة هذا الرقم.
ذكر حمد العقلا* {2002} أمين عام المجلس العربي للطفولة والتنمية (أن المجلس بدأ بدراسة ومعالجة ظاهرة أطفال الشوارع في المنظمة العربية، والتصدي لها في خمس دول هي مصر والسودان والمغرب ولبنان واليمن، وان هناك ما بين (7) إلي (10) ملايين من أطفال الشوارع في عشر دول عربية). وإذا تساءل المرء لماذا هذه الدول بالذات اتضح أن المشكلة لدى هذه الدول متأزمة، فعلي سبيل المثال لا الحصر تشير إحصاءات غير رسمية في مصر إلي وجود اكثر من (1.5) مليون طفل في الشوارع تتراوح أعمارهم بين (10- 15) عاما. وفي السودان يوجد نحو (80) ألف طفل متشرد (شماسي) أغلبهم من إفرازات حرب الجنوب النازفة والصراعات القبلية. أما في اليمن فيصل عدد أطفال الشوارع إلي (28) ألف طفل وفي المغرب بحسب دراسة إحصائية أجريت عام (1998) فأن عدد أطفال الشوارع بلغ في الأقاليم التي شملتها الدراسة (8780) طفلا في الدار البيضاء وحدها.
يلاحظ من الإحصاءات السابقة أن الظاهرة ليست سودانية، كما أن كل هذه الإحصاءات لم تشر لنوع المشردين وإنما اكتفت فقط بإصدار الأرقام الكلية. فقد وضح التقرير البحثي {Children of the Sug} (2001) الذي أعد بواسطة مجموعة من الباحثين أنه من الصعب حصر عدد الأطفال المشردين وذلك لسرعة تحركاتهم وعدم وجود جهة مركزية لحصر أعدادهم وتسجيلها، فقد أوضح التقرير أنه في عام (1960) سجلت عدد (399) حالة تشرد، وفي عام (1974) سجلت حوالي (1000) حالة تشرد، وفي عام (1980) قدر عدد الأطفال المشردين ب(16.700) في الخرطوم وحدها. وفي دراسة أخرى أجريت عام (1990م) وضحت أن هنالك (14.336) طفلا مشردا ذكرا، وان هنالك حوالي (771) بنتا مشردة يعيشون في الخرطوم وحدها. أوضح تقرير {Children of the Sug} (2001) أن عدد البنات المشردات في الخرطوم يقدر بحوالي (4.000) بنتا مشردة. 20% من هؤلاء البنات يعشن حياة تشرد كاملة، لأما بقية 80% يعشن تشردا جزئيا، يعملن بالصباح ويعدن للمنزل ليلا، بمعني أن هنالك حوالي (800) بنتا تعيش حياة تشرد كاملة في الشوارع.
لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد البنات المشردات في المدن السودانية الكبرى، ومن خلال استعراض الباحث لبعض الدراسات ذات الصلة {Soha O. A. Altai, 2002} فقد أوضحت هذه الباحثة أن هنالك حوالي (700) بنتا مشردة في الخرطوم وحدها، وأنها لم تستطع إلا مقابلة (36) منهن نسبة لمنع الحكومة لهن من إعطاء معلومات للباحثين. كما أن عدد البنات المشردات اللاتي أجريت عليهن دراسة خلف الله إسماعيل (2002) لم يزدن عن (55) بنتا مشردة، ولم يتمكن تقرير {Children of the Sug} (2001) من جمع المعلومات إلا من (35) بنتا مشردة، ولم يستطع الباحث في هذه الدراسة إلا من مقابلة (24) منهن.
يخلص الباحث إلي أن عدد البنات المشردات كما أوضحته تلك الدراسات يقدر بحوالي (700) بنتا , إلا أن هنالك بعض المآخذ على هذا التقدير , تتمثل في آلاتي :
- أن عددا كبيرا من هؤلاء البنات المشردات يعملن في الأسواق والمنازل ويعدن في المساء لبيوتهن وهؤلاء الفتيات على حسب تعريف اليونسيف يصنفن كمشردات .
- أن هذه الإحصائية، بغض النظر عن صحتها، فهي تناسب حجم الكوارث التي تسببت فيها , وبمعالجة أسباب عمالة الأطفال عندئذ يصبح الرقم المتبقي غير مقلق ويمكن السيطرة عليه بسهولة .
أما فيما يتعلق بأماكن وجود البنات المشردات فيعتمد ذلك بدرجة كبيرة على نوعية التشرد، فغالبية المشردات تشردا جزئياً يذهبن لمنازلهن الموجودة في أطراف العاصمة ليلا. فقد ذكرت (13) من هؤلاء البنات واللائى تمثلهن نسبة 54.16% أنهن يقمن بمنازلهن، أما البقية 45.83% فإنهن يقمن في منازل أصدقائهن أو الشارع (تحت حماية أحد الأصدقاء) وبعض مراكز الشرطة، أو أي مكان آخر مناسب للنوم حسب (ما ذكرنه بعضهن). ويلاحظ أن كل هذه الأوضاع شاذة وربما تعرض هؤلاء الفتيات لكثير من الأخطار.
أما فيما يتعلق بالقبائل التي تنحدر من المشردات فهي في معظمها القبائل التي تأثرت بالجفاف والتصحر وحرب الجنوب والحروب القبلية التي تنشب بين الحين والآخر والتي جعلتها تنزح من أماكنها. وقد أورد عبد الباقي دفع الله (2001) في دراسته التي أجراها في أكبر معسكرات النزوح جنوب مدينة كوستى أن أكثر المجموعات العرقية * تأثرا تتضمن :(القبائل النيلية : الدينكا والشلك والنوير والمانديري واللوقير واللانقو واللاتوكا ..) والقبائل النوبية (الكجورية والكمراوية والكتل والكوكو جيوب ..) والقبائل العربية (الأحامدة والكواهلة والشرفة والصليحاب والرواشدة والجوامعة والحوازمة والجميعاب والهبانية والبني هلبه ..) ويستخلص من هذه البيانات أن أبناء تلك الأسر هي أكثر عرضه من غيرهم للتشرد، وهذا لا يعني بالضرورة عدم وجود مشردين من اعرق أخرى، فقد أوضحت الدراسة المسحية للدراسة الحالة تقارب نسبة البنات بين هذه المجموعات العرقية (33.33% لكل مجموعة).
أوضح خلف الله إسماعيل (2001) أن النسبة الكبيرة من البنات المشردات ينتمين إلي أربع قبائل من قبائل جنوب وغرب السودان وهي : النوبة والدينكا والفلاته والشلك. علما بأن قبيلة الفلاتة قبيلة نيجيرية الأصل وأن معظم بناتها يعملن خدما بالمنازل، ويعتبر عمل الفتاة قيمة اجتماعية كبيرا للبنات العاملات خدما بالمنازل عصر كل جمعة بمنتزه المقرن العائلي بالخرطوم. هذه ملاحظة عابرة لم يتأكد الباحث من قبيلة هؤلاء الفتيات ولكن تغلب عليهن سحنة قبيلة الزاندى.
يستخلص من إجابة هذا السؤال أن هذه القبائل النازحة عموما تتسامح ثقافتها وتشجع خروج الفتاة للعمل وذلك لدعم اقتصاد الأسر بأي صورة كانت – وربما تغض بعض هذه الأسر الطرف إن مارست بناتها البغاء أو شربت الخمور بأنواعها – من أجل البقاء والاستمرارية، هذا إضافة للظروف القاسية التي عاشتها هذه الأسر فقد هددت نسيجها الاجتماعي، وأدى لانهيار القيم وفقدان الوالدين، والدعم الاجتماعي، مما جعل خروج الفتيات بديلا أكثر جاذبية للفتاة وللأسرة.
تؤكد البيانات المذكورة من حيث الأرقام والتوزيع الجغرافي والقبلي على موضوعية حدوث التشرد، وهي عوامل تمثل مؤشرات واضحة لما ينبغي أن تكون عليه طبيعة المعالجات للحد من انتشار تشرد الفتيات، وذلك بالأخذ في اعتبار الخلفية القبلية للمشردات، وكذلك الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والبنيات الفكرية لهذا القبائل، وتوظيف فلكلورها وتراها وألا تهمل معالجة اقتصاديات هذه القبائل وبنياتها المنية الأساسية.
إجابة السؤال الثاني :-
يحاول هذا السؤال الإجابة عن أسباب تشرد البنات بولاية الخرطوم. يلاحظ الجميع أن المجتمع السوداني وفي غربة وشرقه، والصراعات القبلية في بعض مناطق التماس القبلي، وموجات الجفاف والتصحر، والتي أدت إلي هجرة ريفية كبيرة نحو المدن الرئيسة التي لم تستعد لاستقبال أمواج المهاجرين الجدد الذين لم يتعودوا سكن المدن، ولم يتاقلموا مع شروط المدينة، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع معدلات البطالة وتزايد نسبة الفقراء ممن فقدوا مصادر دخلهم التقليدية في الريف دون أن توفر لهم الحياة الحضرية بديلا عنها وهو ما لنعكس على النواحي الاجتماعية فتزايدت معدلات الطلاق وتكاثرت نسب التفكك الأسري وتناقص التكافل الاجتماعي القبلي التقليدي.
وتأكيدا على ما سبق تتفق معظم الدراسات التي أجريت في موضوع تشرد البنات {من دراسات : خلف الله إسماعيل (2002) و(Soha, Eltai, 2001 ) وتقرير {Children of the Sug} (2001)} والمسح الميداني الذي أجري لهذه الدراسة أن أسباب تشرد البنات هي نفسها أسباب تشرد الذكور، عليه يمكن إجمال أسباب تشرد البنات في النقاط التالية :-
1- أسباب اقتصادية :-
الحالة الاقتصادية للبلاد، بعد موجات الجفاف والجرب المستمرة في الجنوب، وبعض الصراعات القبلية، وتبني سياسة ليبرالية لا تعير كثير اهتمام لمجانية الخدمات الضرورية، والظروف المادية الصعبة التي تعيش فيها أسر بعض الأطفال في أطراف المدن، وانتشار البطالة وانخفاض مستويات الأجور في الوقت الذي تتضاعف فيه الأسعار بوتيرة متسارعة، كلها أسباب دفعت الكثير من البنات إلي التمرد على حياة الفقر التي تعيش فيها أسر بعض الأطفال في أطراف المدن، وانتشار البطالة وانخفاض مستويات الأجور في الوقت الذي تتضاعف فيه الأسعار بوتيرة متسارعة، كلها أسباب دفعت الكثير من البنات إلي التمرد على حياة الفقر التي تعيش فيها أسرهن والبحث عن بدائل أخرى مهما كانت صعبة، ليست من بينها المدرسة أو الدراسة.
2- أسباب اجتماعية :-
تتمثل في مظاهر التحلل من التزامات التكافل الاجتماعي التي ورثها المجتمع من حياة الريف ومستلزمات العصبية القبلية، وتخلي الكثير من الأباء عن مسؤولياتهم الأسرية، هذا إضافة للظروف الأسرية السيئة نتيجة الطلاق، أو الهجرة والعيش في كنف زوج الأم أو زوجة الأب، والفقر والأمية والانحطاط الأخلاقي للوالدين كثيراً ما تدفع الفتاة إلي الهروب وخروجها إلي الشارع، حيث تتعرض لكافة أشكال الاستغلال المادي والجنسي والبدني وتعاني من سوء المعاملة والحرمان النفسي، ومن أجل توفير لقمة العيش تمارس مجموعة من الأعمال غير الرسمية، مثل الخدمة في المنازل والتسول وبيع السلع التافهة، والعمل في المحال العامة، وممارسة أعمال غير قانونية.
3- أسباب ثقافية :-
شكلت ظروف الحياة في المدن وانتشار محلات الهامبرغر والسندوتشات دور السينما التي تبث أفلام العنف وأشرطة الموسيقي الصاخبة وما يصاحبها من تشبه بنجوم السينما تحديا كبيرا أمام فئة البنات اللائى لم توفر لهن الأسرة التربية التي تخلق عندهن مناعة ضد هذه المؤثرات، ولم توفر لهن فرص الحصول على مستويات تعليمية من المدرسة توجههم التوجيه السليم وهو ما يجعلهن عرضة لتلك التأثيرات المغرية.
التقليد أو المحاكاة :-
{تقليد البنات للبائعات الأخريات في الشوارع}، وصحبة السوء وذلك بحضور إحدى البنات المشردات والبدء في سرد مجازفاتها وقصصها التي عاشتها أثناء وجودها في الشارع. والحرية التي تتمتع بها مع صديقها ومشاهدة السينما، والأكل الجيد والتحلل من المسئوليات الكبيرة مثل رعاية الأخوة الصغار...، وما إلي ذلك مما يغري البنت للخروج ومحاولة تقليد هذه التجربة المثيرة بصحبة بنت الحي أو الحلة.
يتضح مما تقدم أن أكثر العوامل تفسر تشرد الفتيات يمكن حصرها في الظروف الطبيعية من مجاعة وجفاف وتصحر أدت إلي تفكك الأسرى والفقر والتنازل غير الطوعي عن بعض القيم الأصيلة المتعلقة بالمرأة ووضعيتها. لذلك أفرزت الحرب وفترات الجفاف والتصحر وضعا غير طبيعي لإنسان هذه المناطق، خاصة وأنه أصبح يعيش في منطقة لا يعرف الكثير عن جغرافيتها وكيفية التعامل معها لتأمين المأكل والمسكن له ولأولاده هذا لو وضعنا في الاعتبار عدم رغبته في الحرب وقابليته كإنسان للتأثر بالضغوط التي من أهمها الحرمان مما تعود عليه من طعام ومصادر للمياه والملبس والمأوي والأمن والانتماء. لذلك تفرق الأبناء في المدينة لعدم مقدرة الأسرة على رعايتهم فيها.
إجابة السؤال الثالث :-
ينص هذا السؤال على : {كيفية قضاء المشردة لحياتها اليومية}، تختلف الإجابة عن هذا السؤال على حسب نوع التشرد وعمر الفتاة الزمني، فقد أوضحت نتائج الدراسة المسحية التي قام بها الباحث أن عمر هؤلاء الفتيات يتراوح ما بين (14-19) سنه. ويمكن أن تتكون بعد ذلك صورة واضحة لما يمكن أن يبدر من بنت في هذا العمر، فالبنات المشردات تشردا كاملا اللائى يقضين الليل في مكان ما من الشارع – مع صديقها – غالبا ما ينمن في وقت متأخر من الليل وينمن كل النهار، وأخريات يستيقظن في وقت مبكر جدا حسب شكل الحماية المتوفر، يبدأ يوم المشردة بالغسيل في البحر أو المجاري أو المنزل الذي تعمل فيه وقضاء حاجتها هنالك، أما فيما يتعلق بالأكل فيتم الحصول عليه بعدة طرق : أما بواسطة الصديق، أو تذهب هي للكافتيريا، تشتريه من المطعم من النقود التي تحصلت عليها من ممارسة البغاء (إذ أوضحت (66.6%) من البنات المشردات موضوع الدراسة الحالية أنهن مارسن الجنس مع شخص بالغ). إذ يعتبر مصدر الدخل الأساسي لمعظم البنات المشردات تشردا كاملا، أما البنات المشردات جزئيا فيحصلن على الطعام عادة من النقود التي يكتسبنها من أجرة العمل أو العمل التجاري البسيط الذي يدرنه.
يعد تناول المخدرات أو المواد المخدرة من النشاطات اليومية للبنت المشردة، لذلك يعتبر ذلك من النشاطات الأساسية لهؤلاء المشردات، أو يقمن ببعض الأعمال البسيطة المتمثلة في بيع الفول السوداني (المدمس) والتسالي أو مساعدة بائعات الشاي والكسرة وغسيل الصحون ومناولة الطعام والشراب.
يستخلص مما سبق أنه لتأمين سلامة هؤلاء الفتيات ينبغي التأكيد على أهمية تشييد الدور المناسبة لهؤلاء الفتيات، والعمل على توفير كل ما يمكن أن يضمن استقرارهن، وتزويدها بالمتخصصين النفسيين والاجتماعين الذين يمكن أن يسهموا في وضع وتخطيط البيئة الاجتماعية الآمنة لهؤلاء الفتيات، منطلقين من المعايير والقيم الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تميز خلفيات الفتيات القبلية.
إجابة السؤال الرابع :-
يتلخص هذا السؤال في محاولته معرفة أبرز مشاكل البنات المشردات، فمن خلال المسح الميداني لهذه الدراسة يمكن إيجار أهم المشاكل التي تتعرض لها البنات المشردات في النقاط التالية :-
مشاكل التعليم :-
مما لا شك فيه أن أكثر الآثار وضوحاً التي تقع هؤلاء البنات باختلاف أعمارهن هي حصرهن في مجال الأمية أو التعليم المنخفض، إذ عادة ما تفتقد هؤلاء البنات الرعاية الأسرية المشجعة للاستمرار في التعليم أو الالتحاق به .. منهن عادة من ينتمين إلي أسر مفككة فقيرة غير سوية، وهو ما يساعدهن على الهروب أو عدم الالتحاق بالمدارس نهائياً، وبذلك نجد أن هؤلاء البنات غالباً ما يلجئن للشارع بدلاً من التعليم، ويُحكم عليهن بالحرمان من حقهن الأساسي في التعليم والترقي في المستوي الاجتماعي والاقتصادي على المدى البعيد.
المشاكل الصحية :-
تتعرض هؤلاء البنات للأمراض كل حسب مجال عملها أو احتكاكها، وبما أن البيئة التي يقمن بها غير صحية بعامة لذلك نجدهن يتعرضن لكثير من المخاطر الصحية خاصة التلوث الهوائي أو المائي والغذائي، كما يُصبن بالعديد من أمراض الأغذية الملوثة .. كما يتعرضن لأمراض، مثل : الجرب، التيفود، الملاريا، البلهارسيا، الأنيميا، السعال المستمر، وتقيحات الجروح. وتؤدي الممارسات الجنسية التي تتعرض لها البنات المشردات للعديد من المخاطر الصحية بما في ذلك الأمراض النفسية، والإصابة بنقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، والأمراض التناسلية، وحالات الحمل غير الشرعي، وإدمان المخدرات إضافة إلي ذلك تصبح هؤلاء البنات رهائن لواقع مشوه يسود فيه الضعف، وفقدان الثقة بالآخرين، والإحساس بالعار، والنبذ من قبل المجتمع. وربما تتعرض كثير من البنات المشردات لعملية الإجهاض التي تهدد في الغالب حياة هؤلاء الأطفال، كذلك الآثار الناجمة عن استنشاق (السلسيون) وتناول الخمور وبعض أنواع المواد المخدرة الأخرى.
المشاكل الأمنية :-
من أكثر العوامل التي تمثل خطورة بالغة على البنات المشردات بوجه خاص والمجتمع بأسرة بوجه عام هو استقطاب المجموعات الإجرامية والإرهابية لهن، إذ تتخذ هذه المجموعات من هؤلاء الصغار أدوات سهلة ورخيصة للأنشطة غير المشروعة، سواء باستخدامهن كأدوات مساعدة في الترويج والتوزيع للمنوعات، أو إحداث الاضطرابات والعنف، أو استغلالهن في الأعمال المتصلة بالدعارة والفسق. كما أن هؤلاء البنات ربما يتعرضن لأنواع جديدة من المخاطر ارتبطت بالتطورات المجتمعية الحديثة كاستغلالهن للترويح عن الأجانب في المعسكرات أو أماكن السكن، خاصة وان هنالك شركات كثيرة لديها عمال من نفس البلد الذي يمثلونه.
يعتبر بروز هذه المشاكل نتيجة طبيعية للمشاكل التي تعاني منها هؤلاء الفتيات، فغياب الدور الأسري والدور الرسمي نجم عنه كل هذه المشاكل، لذلك فإن تفعيل قوانين عماله الأطفال، وحماية الطفولة وقوانين التشرد يمكن أن تهم في التقليل من حدة هذه المشاكل مستقبلا.
مقترح الحلول :-
بما أن هذه الظاهرة عالمية، وتؤدي العوامل السياسية والاقتصادية دورا بارزا في نشوئها لذلك فغن النظر لأسباب بروز هذه الظاهرة يمثل حلقات الحل لهذه المشكلة من جذورها، عليه يكمن الحل في الأساس في الجوانب التالية :-
- العمل بكافة الطرق والوسائل لإيقاف الحرب السياسية في الجنوب وبعض مناطق السودان الأخرى، ودراسة الأسباب التي تؤدي للصراع القبلي في مناطق التماس، حتى نضمن على الأقل تجفيف منبع النزوح من الريف للمدن، والعمل على تنمية هذه المناطق وبالتالي ضمان استقرار الأسر.
- ضرورة توفير التعليم الأساسي » مجانا« ذي النوعية الجيدة، باعتباره حقاً وشاغلاً رئيسياً للأطفال في ً مرحلة الطفولة الوسطي ً، وعاملا مهما آخر يتحكم في حياة الأطفال في مرحلتي المراهقة والرشد. ويتعين ألا ينظر للمدارس باعتبارها مؤسسات تعليمية تساعد الأطفال ولحفظ حقوقهم. وعند القيام بذلك، ينبغي أن تصل للأطفال المستبعدين وان تكون لها صفة الديمقراطية والمشاركة والرحمة والخلو من العنف. ويجب أن تؤدي هذه المدارس- وغيرها من البيئات الخاصة بالأطفال- إلي منحهم مزيداً من ًالدعم ً وتعزيز قدرتهم الفردية على التصرف ومساعدتهم على توفير أوسع نطاق ممكن من الخيارات في المستقبل.
- ضرورة إيجاد تشريعات ملزمة للجميع تمنع الأسر وغيرهم من استخدام الأطفال دون سن الخامسة عشر في أي شكل من أشكال العمل المنزلي أو ترويج السلع، أو غيره .. على أن يعمم هذا المر عبر وسائل الإعلام، ودعم أي أسرة لا تستطيع تعليم أبنائها، على أن يكون ذلك عبر المحليات التي تسكن بها أسر هؤلاء الأطفال، وان تفعّل هذه التشريفات إن كانت موجودة.
- تشييد المراكز والمعاهد المتخصصة التي تمكن البنات في الشارع من اللجوء إليها، على أن تتوفر الثقة بين الإدارة والبنات، وتبني سياسة الباب المفتوح بمعني أن يشعرن أنهن يتعاملن مع المجتمع بكل فئاته، لأن سياسة الباب المغلق حول الأطفال- كما في مراكز الأطفال التقليدية- تنتج فتيات غريبات، يصبن بصدمة عندما يبدءن في التعامل مع المجتمع، لكن يجب متابعة هؤلاء البنات كما لو كانوا في أسرة عادية، ومن تلتحق بالمدرسة يصبح أعضاء المركز أو المعهد أولياء أمرها، وهي فترة تأهيل للانفصال التام عن المراكز المتخصصة. وأعتقد أن هنالك كثيرا من الكفلاء للبنات الذين يتبرعون بوقتهم وأموالهم للمساعدة في رعايتهم علما بأن المجلس العربي للطفولة والتنمية ومنظمة اليونسيف، ومنظمة اليونسكو، ومنظمة العمل الدولية ووزارة الشئون الاجتماعية ووزارة الداخلية كل هذه الجهات تقدم الكثير من الدعم الفني كما يمكن يقدم الخبراء كل في مجال تخصصه. وبالتالي تتوفر كثير من الضمانات بوجود هؤلاء الفتيات في جهات محددة ويعمل ذلك على حمايتهن من الاستغلال.
- إيجاد طريقة عملية وعلمية لتعريف مصطلح ًالبنت المشردة ً وذلك تجنبا للتصادم الثقافي مع الأمم الأخرى، باعتبار أن المجتمع السوداني مجتمع زراعي ورعوي وعمل الطفل يشكل دعامة أساسية للأسرة خاصة في الإجازة، وبناء على ذلك يجب القيام بعمل مسحي جاد بمشاركة كل العاملين في قطاع التشرد بحصر عدد البنات المشردات- بالتعريف السوداني- ومن ثم العمل على معالجة الموضوع من هذه الزاوية.
- التنسيق ما بين المنظمات العاملة في مجال تأهيل البنات المشردات ورعايتهن، وذلك لأن هؤلاء البنات يعرفن بصورة أو أخرى ما تمنحه أي جهة من مساعدات، وذلك حتى لا يستهويهن مجرد التمتع بما يقدم لهن بدلا من الاستفادة من هذه الإمكانات للتأهيل لم الشمل.
المراجع :-
1- خلف الله إسماعيل محمد (2001) تشرد البنات : الواقع وتجربة الرعاية والتأهيل، مجلة الطفولة والتنمية، العدد 7، مجلد 2، ص(143-158)
2- عبد الباقي دفع الله أحمد (2001) :الاضطرابات النفسية للأمهات والأطفال النازحين بمعسكر قوز السلام – جنوب كوستي.
3-الأطفال المشردون (د.ت) : سلسلة إصدارات حماية الطفولة في السودان.
1- Abdel bagi Dafalla Ahmed (1992) : Personality Traits of Street-Children: Towards a psychological Understanding of this Phenomenon. Master Thesis University of Khartoum, Faculty of Arts.
2- Mustafa Kudrati et al (2001) : Children of the Sug. Full-time and working street-children of Khartoum, Sudan. (Research Report).
3- Soha O. A. Eltai (2002) : Street-girls in Khartoum, Sudan, Enro+Biz studies, Band5/Volume5.(http://www.bizme.de/5soha.html )
* هو كل من يعيش تحت الشمس، وهو دلالة على أن الفرد لا مأوي له يقيه حر الشمس.
* هذا التقسيم من عند الباحث للتوضيح فقط